لماذا سجن المعلم التونسي “مبروك” 13 عاما؟

أكد نيوز-تونس/ثريا القاسمي

مبروك غضباني معلم بإحدى المدارس التونسية، من أصيل ولاية القصرين بمنطقة المثنانية، من مواليد 1964، سجن 13 عاما وتنقل من سجن لأخر ومورست عليه أنواع التعذيب داخل السجون كادت ان تفقده بصره وتسببت له بكسور بأضلعه ولا يعلم لماذا سجن وباي تهمة؟

المعلم التونسي الذي سجن 13 عاما
غضباني يروي لوكالة [أكد نيوز] ما مر به من ظلم وتعسف سياسي في سجون تونس فيقول” صدر امر تعييني كمعلم تعليم عام في التسعينيات من القرن المنصرم وانا في حينها كنت أفكر كيف اخطط لحياة جديدة اعيشها مع عائلتي وسأبني لهم مستقبلهم لكن سرعان ما تبدد حلمي وفرحتي لم تكتمل حيث في يوم التاسع من شهر ماي 1991 هو أسوء يوم مررت به في حياتي وانا لازلت شاب في مقتبل العمر في عقدي الثاني، حيث طوقت الوحدات الأمنية المنزل والقت القبض عليَ وتم تحويله الى السجن المدني بالقصرين ثم الى سجن 9 افريل بتونس العاصمة ثم سجن برج الرومي ثم في سجن الكاف ليستقر بي الامر في سجن القصرين وانا لا اعرف ما هو السبب؟ وبعدها بفترة عرفت باني متهم بالمشاركة بقلب النظام السياسي في تونس”.

“عتمة السجن كادت تفقدني بصري”

ويتابع الحديث ” أثناء تواجدي في هذه السجون ذقت ويلات العذاب ، حتى اني أملك شهادة طبية تثبت أني أعاني من 55 بالمائة نسبة سقوط نتيجة الكسور والضرب المبرح الذي تعرضت اليه في ذلك الوقت، ولن انسى بالبتة و الى حد الساعة ما تعرضت اليه من اهانة و ضرب وسب وشتهم من قبل أعوان الامن، ومن فرط التعذيب كان يغمى عليَ العديد من المرات لأستفيق في كل مرة على ضربات عون أمن على جبيني بأصبعه وان تلك الضربات خلفت لي ألم نفسيا و تركت بداخلي اثرا كبيرا أعاني منه الى الان وهو أقسى من بقية الجروح التي كانت في جميع أنحاء جسدي، فحتى نظري نقص من كثرة بقائي في الغرف المظلمة فالسجان يتعمد دائما أن نبقى في مكان شديدة العتمة “.

الاضراب عن الطعام

ويشير المعلم المسجون الى أني “دخلت في اضراب عن الطعام لأكثر من مرة في سجن برج الرومي الذي قضيت فيه أربع سنوات ونصف لأضغط على السلطات وقد كنت شاهد عيان على وفاة سجين أصيل منطقة الكبارية من تونس العاصمة”.

وتألم غضباني عن نبا سماع وفاة والديه وهو داخل السجن ” فقدت والديا وأنا في السجن المدني بالقصري ولم أتمكن من حضور جنازتهما رغم كل المحاولات التي باءت بالفشل، كنت مشتاقا لابي وأمي جدا ولم اتمكن من رؤيتهما وهما يصارعان المرض لتزداد مأساتي، وتشتد أزمتي”.

الخروج من السجن بعد 13 عاما

ويخبرنا عن الافراج عنه حيث يقول “تمكنت من مغادرة قضبان السجون في 2 نوفمبر 2004 بعد أن قضيت ثلاثة عشرة سنة وستة أشهر وأنا اتنقل من سجن الى اخر وفي كل مرة تسلط عليَ شتى انواع التعذيب الممنهج والضغوط النفسية”.

خرجت من السجن … لأذوق مرارة ظلم العيش

وعن سؤالنا حول وضعه الاجتماعي بعد خروجه من السجن فأجابنا ” الوضعية الاجتماعية مؤلمة ،فالمنزل متداعي للسقوط ، وأسكن انا وزوجتي و أربعة أطفال في غرفة واحدة في احدى المناطق الريفية و الحمد لله تأقلمت مع هذا الوضع المزري ولكن المظالم لا تنسى واحسن شيء هو مداواة الجراح وان لم تداوى الجراح فإنها ستضر الاخرين لكنني في بعض الأحيان لم اتمكن من السيطرة على ذكرياتي ومخيلتي تعيدني في كل مرة الى الوراء فان النتيجة ستكون وخيمة و أن عائلته ستتضرر من هذه التجربة المريرة التي سرقت من حياته قرابة 14 سنة و لا اريد اجعلها تؤثر على زوجتي ومستقبل اطفالي”.

العودة الى مهنة التعليم

ويشير غضباني الى انه “منذ خروجي من السجن سنة 2004 لم يتم ارجاعي الى عملي كمعلم بل تم حرماني من حقي في العمل واسترجاع عملي في بادئ الامر، فاخترت ان اشتغل أعمال حرة حتى أسد رمقي، وأغطى مستلزمات الحياة اليومية”.

وأضاف أنه” بعد ثورة 14 جانفي 2011 تمكنت من العودة الى مهنتي الأصلية كمعلم تعليم أساسي في مدارس بعيدة جدا عن مكان اقامتي من بينهم عملت في المدرسة الابتدائية بفج بوحسين التي تبعد عن منزلي بحولي 60 كلم، لم اتمكن من التنقل بحكم وضعيتي الصحية أنا مريض جدا ولا أستطيع التنقل في مسافات بعيدة كما أني لم أتمتع بالترقيات التي يمر بها المعلم العادي”.

الدولة لم تنصفني

وحول التعويضات النفسية والمادية من قبل الدولة فيقول ان” التعويضات لن تداوي جراحي ولن تنسيني العذاب الذي ذقته طيلة 14 سنة لكن كل من أخطأ تجاهي يجب أن يعتذر ” وعفى الله عن ما سلف ” وعلى الدولة ان تعوض لنا ما تعرضنا إليه من عذاب وتعتمد في ذلك مبدأ التمييز فهناك العديد ممن تعرضوا لسجن و مروا بما مررت بها أنا تحصلوا على تعويضات مادية وأنا لم أكن ضمنهم رغم ان اغلبهم قضيت معهم سنوات طويلة وراء القضبان”.

وأكد مبروك غضباني أنه” قدمت ملفا كاملا بجل وثائقه لوزارة حقوق الإنسان منذ سنة 2011 ولم يتم انصافي الى الان وان عازم على تقديم ملفي لهيئة الحقيقة والكرامة عاجل بعد أن تفتح فرعا لها في ولاية القصرين لكن كل ذلك لن ينسيني ما تعرضت اليه من ظلم لحق بي وبعائلتي في الماضي وفي الحاضر لأني لم يتم انصافي وتم تهميش ولم يتم مداواة جروحي، ورغم أني فاعل في مجتمعي الا انه لم يتم الى حد الان تقديم اعتذار لي وحتى انصافي لا ن قبل الدولة او حتى الحزب الذي أنتمي إليه ورغم ذلك اتمنى أن تبقى بلادي منارة في العالم العربي الذي تعد له المكائد لتشتيته وتفكيه وأتمنى أن تبقى تونس دولة مستقرة، أمنة الى الأبد”. انتهى

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*