تونس : القاعدة تهدد… و الداخلية تتأهب …و الدفاع تتمركز… والمسار الانتخابات في خطر.

لايزال المسار الانتخابي في تونس يسلك خطى متعثرة بعد ظهور ما يسمى بالمجموعات الارهابية التي اتخذت من الجبال مرتعا لها لتقتل و تذبح أبناء الوطن وجنودنا البواسل , حماة الوطن الذي خرجوا و تمركزوا في المرتفعات و المدن للحفاظ على أمن الوطن و الذود عنه .
بين الارهاب و القصف… الثروات الطبيعية تندثر
فالعمليات الإرهابية تتالت و تواترت خاصة في مرتفعات ولاية القصرين , الولاية المحرومة , المفقرة, الولاية التي ضحت بحوالي خمسين شهيد وعشرات الجرحى من أجل القطع مع الدكتاتورية . لكن النتيجة هي تمركز الإرهاب في جبالها الوعرة كالشعانبي و سمامة و السلوم.
جبل الشعانبي بين لهيب النار و لهيب الارهاب
القصرين هي ولاية تقع في الوسط الغربي تضم أعلى قمة جبلية في تونس و سلاسل جبلية تربطها بالجزائر .فهذه السلسة الجبلية تحتوي على حديقة وطنية توجد بها مختلف الحيوانات و النباتات و الاعشاب النادرة . لكن هذه الحديقة اندثرت تماما مع بداية القصف المدفعي و الجوي من قبل الوحدات العسكرية التي استهدفت الأماكن التي يشتبه في تحصن المجموعات الإرهابية بها.
ورغم الارتباط التاريخي و الإيديولوجي الوثيق بين المواطن و المرتفعات في ولاية القصرين باعتبارها رمز للنضال ضد الاستعمار , ورمز للشموخ و العزة إلا أن أبناءها ضحو بهذا التاريخ المجيد من أجل الحفاظ على حياة وسلامة عناصر الجيش الوطني ليندثر الشعانبي و تندثر الحديقة الوطنية لكن التاريخ مازال مرسوما في كل صخرة , وفي كل ركن من هذه القلعة العتيقة.
مسار انتخابي في منعرج خطير
بعد مرور ثلاث سنوات وبعد تنحي الترويكا عن الحكم , طريق جديد تسلكه تونس , بحكومة تكنوقراطية جديدة لكن بأزمات و نكبات أربكتها وزعزعت مسارها الانتقالي لكن لم تسقطها لتحافظ هذه التشكيلة على وجودها بعد أن أفرزها حوار وطني و إتفاق جماعي , ليدعمها كل طرف نقابي أو حزبي رغم إخفاقاتها في العديد من المرات لكن نور الانتخابات يقترب يوم بعد يوم ليضيء تونس و يعود الاستقرار الى مناطقها .
أمر لم يدم كثيرا و استقرار مذبذب مع تزايد التهديدات الواضحة و المتكررة من قبل القاعدة رصدتها وزارتي الداخلية و الدفاع وأخذتها على محمل الجد لتتأهب كل الأسلاك الأمنية و العسكرية تستهدف المسار الانتخابي من أجل ارباك الوضع الامني و ادخال البلاد في دوامة الدماء و العنف و القتل فماهي خطط وزارتي الداخلية و الدفاع ؟.
قيادات ثلاثية تتأهب … ولها حرية القرار .
قرارات استعجالية هي نتاج اجتماعات متكررة و جلسات مطولة في رحاب وزارة الداخلية هدفها دراسة الوضع الامني في البلاد و الاتفاق على استراتيجيات و خطط لإفشال الخطط الإرهابية و إلقاء القبض على العناصر المنفذة لها أعلن عنها وزير الداخلية لطفي بن جدو إثر إشرافه على مجلس جهوي بولاية القصرين وبحضور قيادات أمنية و عسكرية.
وزير الداخلية

كما أكد وزير الداخلية أنه تم تكوين درع قيادي ثلاثي متكون من أمن و حرس و جيش هدفه التدخل الفوري في العمليات الإرهابية وله حرية اتخاذ القرار بالإضافة الى تكوين نسيج من مختل الأسلاك و تركيز دوريات في الناطق الجبلية .
هي اجراءات و تدابير تخص جل ولايات الجمهورية لكنها تخص الحدود الجزائرية المرتبطة بكل من ولاية القصرين و الكاف و جندوبة وأيضا الحدود الليبية وهي تدابير تخص ولايات الجنوب ,التي تكون فيها شريط عسكري عاجل يفصل القطر التونسي عن القطر الليبي تتمثل مهامه في منع إدخال الأسلحة الى أراضي الوطن ومنع تهريب البضائع من تونس الى ليبيا . كما سيمنع هذا الحاجز تسلل الارهابيين الى الأراضي التونسية بالإضافة الى منع تسلل التونسيين الى ليبيا للإلتحاق الى بؤر التوتر في كل من سوريا و العراق .
كما تم تعزيز المراكز الحدودية المتقدمة مدعومة بدوريات عسكرية تحسبا لأي عدوان مرتقب من قبل المجموعات الإرهابية المتحصنة بالجبال من جهة الحدود الجزائرية و القادمة من ليبيا .
إذن تظافرت المجهودات الأمنية و العسكرية مع اقتراب موعد الانتخابات و تزايد وتيرة التهديدات في الوقت الذي يتسابق فيه السياسيين من اجل انجاح حملاتهم الانتخابية متناسين خطر الإرهاب المحدق لنجد أغلبهم يفكرون في برامج تناسوا فيها الوضع الامني ليركزوا على متطلبات المواطن التائق للتغيير و تحسين اوضاعه الاجتماعية المزرية و المشغول بغلاء المعيشة و كثرة البطالة وتقدم الارهاب الى المدن.
إجراءات هامة لكنها متأخرة
رئيس المنظمة التونسية للأمن و المواطن السيد عصام الدردوري اعتبر أن هذه القرارات هامة لكن الإعلان عنها و العمل بها جاء في ظرف زمني متأخر بشكل كبير باعتبار أن هذه الاجراءات المتمثلة أساسا في توحيد القيادة أو مراجعة الخطط الأمنية أو دعيم الأسطول اللوجستي و البشري بالولايات التي تعتبر بمثابة بؤر التوتر كالقصرين و جندوبة …..

عصام الدردوري

وأكد عصام الدردوري لموقع “مدونات عربية ” أن المجموعات الإرهابية التي اتخذت من الجبال ذات التضاريس الصعبة في الولايات ذات المناخ الاجتماعي القاسي لذلك أمكن لها أن تتطور من النمو الى التفريخ .

وأضاف رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن أن هذه القرارات لو تم تنفيذها مسبقا لأمكنا لنا تفادي وقوع عدة عمليات إرهابية متسائلا حول الطرف المستفيد من تأخير اتخاذ مثل هذه الإجراءات ؟.
مؤكدا في السياق ذاته أنه وعدد من النقابيين الأمنين طالبوا في العديد من المرات بضرورة اتخاذ مثل هذه الإجراءات لكن الإرادة من قبل الوزارة كانت مفقودة ومغيبة , معتبرا أن هذا التأخير راجع الى عدم فصل القرار الأمني عن القرار السياسي الى جانب إغراق المؤسسة الأمنية بوابل من التعيينات السياسية و الحزبية الضيقة ووجود أطراف أمنية تدعم مشروع الإرهابيين الهادف الى ضرب المصلحة الوطنية .
استفاقة أمنية … تفكيك خلايا إرهابية قيادية….
كما صرح لنا رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن أن وزارة الداخلية تمكنت في الآونة الأخيرة من تفكيك خلايا إرهابية في عدد من الجهات بالإضافة الى تمكنها من ايقاف عدد هام من العناصر التي تعتبر من القيادات المركزية داخل التنظيمات الإرهابية الناشطة في تونس و ذات الارتباط الإقليمي و حتى الدولي واصفا ذلك باستفاقة التي تحققت داخل المؤسسة الأمنية في التوقي و التصدي للجريمة الإرهابية .
المواطن ينتقد الداخلية و يدعم الأمن …
المواطن هو الاخر أصبح بعد ثورة الرابع عشر من شهر جانفي أصبح يراقب , ينقد و يجد الحلول ليخوض في كل المجالات و المواضيع , يحللها و يفسر نقائصها. فعند حديثك مع أي مواطن مهما كان مستواه التعليمي تجده مواكبا للأحداث ومهتما بشغفٍ لما يحصل في البلاد.
فعند سؤالنا عن رأي المواطنين في تعامل وزارة الداخلية مع أفة الإرهاب ومدى جديتها في التعامل مع هذه الظاهرة تباينت الآراء حول هذه المسألة الهامة.
“منجي القاسمي” معلم و نقابي يعتبر وزارة الداخلية متحررة نسبيا بعد خروج حركة النهضة من الحكم لكنها لازالت أسيرة حسابات سياسية و رربما يعود الأمر للأطراف التي تتستر على الإرهاب ويتجلى ذلك في مسألة القبض على المشبوهين و المتورطين و إطلاق صراحهم بسرعة .
كما عاب على وزارة الداخلية عدم متابعة المواقع ذات العلاقة بالإرهاب ومحاسبة مشرفيها . وعدم تكثيف التواجد الأمني بالمناطق المعروفة بالإرهاب و تعزيز المراكز بالتجهيزات و الأمنيين متحدثان عن مركز الحرس الوطني بالعيون الذي يفتقر لسيارة أمنية و لعدد من الأعوان.
أما “رفيقة دريدي”, موظفة شارفت على العقد الرابع , فهي كانت شاهدة عيان على حادثة هجوم مجموعة إرهابية مسلحة على دورية أمن متمركزة في مفترق الطريق الرئيسي على مستوى حي السلام لتروي لنا تفاصيل الحادثة وهي ترتعش من هول الواقعة قائلة :” أن مجموعة من الشبان الملتحين , و المسلحين شاهدتهم عن بعد شرفة منزلي العلوي يركضون في اتجاه دورية الأمن ومن خلفهم عدد من المواطنين كانوا في المقهى لينبهوا الامنيين بالخطر المحدق , و القادم نحوهم . وعند سماع الأصوات تفرق أعوان الأمن في اتجاهات مختلفة و فروا الى محلات و منازل كانت قريبة من مكان الواقعة ”
تنهدت” رفيقة” و واصلت حديثها طارحةً سؤالا :” كيف لأمني متدرب و متخرج من مدارس وطنية عليا لحماية البلاد و العباد أن يفروا هاربين أمام مجموعة ضالة ليحتموا بمواطن أعزل؟ و هل أن التصدي للإرهاب و الدفاع عن النفس لا يكون إلا بعد اذن من وزارة الداخلية ؟” ودعتنا هذه المرأة الفاضلة تاركةً وراءها جملة من الأسئلة المحورية , و المصيرية في انتظار أجوبة تقنعها وتقنع المواطن التونسي.
قضية أخرى طرحها ” عدنان الناصري” وهو مكلف بمصلحة التراتيب و الشؤون الاقتصادية ببلدية القصرين معتبرا ” أن وزارة الداخلية لا تتعامل مع الإرهاب بالشكل الصحيح و السبب هو النقائص التي تشكو منها الوزارة .مضيفا أن هناك انقسام واضح بين القيادات الأمنية التي طغت عليها الحسابات السياسية معتقدا أن هناك شق مناصر للترويكا و آخر مناصر للمعارضة و الأخر للتجمع ”
عن نفس السؤال أجابنا ” الهادي المفتاحي ” وهو متفقد تعليم ثانوي “أن ما يروج في الإعلام يوميا أخبار عن القبض عن ارهابيين من هنا و هناك و نجاح الوحدات الأمنية في استباق عديد العمليات ” الحنكة ” و “اليقضة” و ” الوطنية” لكن على الميدان ما نفذه الارهابيون من عمليات نوعية خاصةً في ولاية القصرين ( كأحداث الشعانبي , و الهجوم على منزل وزير الداخلية , و أحداث معتمدية سبيطلة ….) كل هذا يفند ما تعلن عنه وزارة الداخلية “.
و اضاف “المفتاحي ” : ” لا ننسى أن ظاهرة الإرهاب حديثة في بلادنا لذلك لم يكن لا المواطن و لا الأمن و لا السياسي متعود على مثل هذه الأحداث.
حلول من وجهة نظر مواطن …
المواطنون لم يقتصروا و على نقد وتحليل الوضع الأمني فقط بل قدموا مقترحات لعلها تفيد وزارة الداخلية متمثلة أساسا في ضرورة صرامة التعامل الأمني مع هذه الظاهرة ومنهم من اقترح حوار وطني يجمع كل الأطراف حول مسألة القضاء على الفقر و البطالة و دفع التنمية بالمناطق الداخلية باعتبار أن العناصر الإرهابية تركز على المناطق المهمشة لاستقطاب شبابها .
وهناك من ذهب الى ضرورة عقد مؤتمرات و تنظيم ملتقيات و ندوات دينية لإعادة قراءة الدين الإسلامي قراءة صحيحة لفك اللبس الحاصل لدى الشباب الجاهل بدينه .
تعيش الجمهورية التونسية على وقع أحداث متسارعة و مرطبة بعضها بالبعض ليتكون لنا مشهد سياسي يشكل مسار انتقالي نتمنى أن يصل بالبلاد الى بر الأمان خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات و كثرة التهديدات من قبل المجموعات الإرهابية التي تستهدف استقرار تونس ليتضاعف مجهود كل من وزارة الداخلية و الدفاع من أجل نجاح توفير ظروف أمنية ملائمة و الحفاظ على الوطن و الذود عنه .
كما أن القضاء على أفة الإرهاب و الحيلولة أمام تطورها و تقدمها نحو المدن هو دور كل تونسي مهما كان توجهه أو انتمائه . فكل شخص من موقعه من الضروري أن يتجند جنبا الى جنب مع الأمني و العسكري يد واحد من أجل القضاء على بؤر الإرهاب.

تحقيق : ثريا قاسمي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*