حي العمال … حق السكن دون حق الملكية

بقيت الأوضاع  في حي العمال من معتمدية جرزونة التابعة لولاية بنزرت اذ لم يتحصل الأهالي على اثبات في الملكية  لمساكن عاشوا فيها  منذ سنين ،ففي كل مرة يطالبون فيها بحقوقهم لا يجد سوى الصد و التسويف دون موجب قانوني.

 “حقي لن أفرط فيه لو كلفني ذلك ما كلفني وسأدافع عن أبناء حيي الى أخر رمق في حياتي” بنظرات ملئها التحدي       والإصرار على استرداد حقه حدثنا عم بشير جابر من فوق أحد الأسطح في حي العمال ، حدثنا وهو ينظر الى الحيي عن طفولته هناك و عن جيرانه وذكرياته التي لم ولن تمحى من ذاكرته رغم مرور زمن بعيد عن تلك الأحداث. مضيفا”تلاعب بنا المسؤولين وخسرنا سنوات ننتظر الحلول لكن دون جدوى فمتى تتغير حياتنا ونتحصل على حقنا في الملكية؟”.

       يحلم أهالي حي العمال بالحصول على وثائق تثبت أنهم أصحاب منازلهم التي ولد وعاش فيها أجيال. الحي تم احداثه سنة 1945 من قبل الاستعمار الفرنسي و بيعه الى العملة و الموظفين التونسيين و غير التونسيين التابعين له فتم تقسيم العقار الى قطع متقاربة المساحة وبناء منازل أخذت نفس الشكل تتوسطها طرقات بقيت على حالها الي يومنا هذا . لكن بالرجوع الى الاتفاقيات المبرمة سنة 1984 تخلت فرنسا عن الاراضي التي كانت تحت ملكيتها لتونس حتى تهبها الى  ذوي الحالات الاجتماعية ، الا أن ولاية بنزرت باعت هذه الأراضي للمواطنين بمبالغ مالية ولم يكفيها ذلك بل انها لم تمنحهم حتى شهائد ملكية تخول لهم الحق في التصرف في ممتلكاتهم.

 

وعود دون عقود

نواصل جولتنا في أنهج و أزقة حي العمال تارة مترجلين نتحدث مع الأهالي الذين لمسنا فيهم طابع الإنسانية و الألفة فيما بينهم وتارة أخرى نجوبها في سيارة عم بشير: “هناك منازل حافظت على الطابع الفرنسي ولم يغير اصحابه شكله ومن بينهم أنا لأني لا أضمن أن يتم اخراجي بالقوة العامة في المستقبل وأخسر كل ما جمعته اثر غربتي عن وطني و أهلي”.

ربما وضعية عم بشير لا تختلف عن البقية في هذا الحي الذي تنطبق عليه مقولة البركان الهادئ الذي لن يحتمل المزيد من الانتظار وربما ينفجر الوضع و“ينتفض أهالي الحي”.

خلال بحثنا و تكرر زياراتنا تحصلنا على كم هائل من الوثائق المتضاربة أحيانا بين من يملك عقد بيع منقوص وعقد بيع تكميلي وبين من يحمل وثائق لعقارات تغير عدد من 132841 الى 848 و المتشابهة أحيانا أخرى .

منذ سنة 1961 قام مجلس ولاية بنزرت المتمثل في شخص الوالي الهادي البكوش  ببيع العقار  عدد 132841 لمتساكني حي العمال وتسلموا بعد  تسديد المبلغ المحدد  شهادات في رفع اليد من مصالح مجلس الولاية ولكن فور اقدام حوالي 93 عائلة على تسجيل ممتلكاتهم في المحكمة العقارية  رفضت  مطلبهم بعد تغيير الرسم من عدد 132841 الى عدد 848 و تحويل الملكية من مجلس الولاية الى وزارة أملاك الدولة وهو ما زادة الطين بلة ومنذ ذلك الوقت و الاهالي يحاولون حل مشكلتهم خاصة أنهم غير قادرين في التصرف في ممتلكاتهم بالبيع أو التقسيم بين الورثة أو الاستثمار في عقاراتهم   .

    “خسرت من دمي ومازلت نخسر ومنيش باش نسلم،كل الأبواب طرقتها وحدي ودون مساعدة من أحد وكل المصاريف على حسابي ومن قوت أولادي وبقيت تتقاذفني مكاتب المسؤولين”.بحرقة يحكي لنا عم بشير المعاناة  التي مر بها من أجل الحصول على شهادة الملكية لكن دون جدوى ودون نتيجة تذكر.”

السنة الوضعية
1881

 

1956

الاحتلال الفرنسي لتونس

 

الاستقلال

1945

 

احداث حي العمال
1961 مجلس الولاية يفوت في الاراضي للمواطنين مقابل مبالغ مالية قبل توقيع الاتفاقية بين تونس    وفرنسا
1984

 

*توقيع اتفاقية بين فرنسا وتونس تقضي بالتفويت في الأراضي التي كانت تحت ملك الاستعمار الفرنسي لتصبح ملكا لدولة التونسية وتنس الاتفاقية على التفويت فيها لضعاف الحال.

 

1889 *اتفاقية خاصة بالعقارات ببقية الجهات
1995 عريضة من متساكني حي العمال الى والي الجهة لحل المشكل
جانفي 2013 عريضة ثانية لوالي الجهة
مارس 2015 تعيين خبير لمعاينة الحي
2016 المشكل قائم الى حد الان والاهالي يهددون يتنظيم وقفة احتجاجية امام مقر الولاية

رغم مرور الوقت لم يحاول الأهالي اثارة القضية لاعتقادهم انهم أصحاب حق رغم عدم امتلاكهم لمستندات تثبت ذلك  فمحاولتهم اقتصرت على مرتين  الأولى سنة 1995 حيث قدموا عريضة لوالي بنزرت  يطالبون فيها بتسوية وضعيتهم و الثانية سنة  2013 ولازالت العريضة الثانية متواصلة الى حد الان .وما يفسر عدم اصرار الأهالي على المطالبة بحقوقهم هو ذهاب البعض الى أن شهادة البيع المسلمة من مجلس الولاية هي وثيقة رسمية تثبت ملكهم لمساكنهم وذهاب البعض الاخر الى ان مجرد تواجدهم في منازلهم منذ سنين هو في حد ذاته دليل على احقيتهم في الملكية في حين يكافح البعض الاخر من اجل استرداد حقوقهم والحصول على وثائقهم. وضعية بدت معقدة أيضا لدى أعوان الولاية الذين أجمعوا على ” أنهم ليسوا على دراية بتفاصيل القضية “ماكناش حاضرين على الحكاية من الاول  وليس لدينا أدنى فكرة عليها”. ويضيف أحد العمال بمجلس الولاية “نحن متعاطفون مع المتساكنين خاصة وأنهم وصلوا الى تشتت العائلات ونحن باتصال دائم مع وزارة املاك الدولة لتسريع في الاجراءات الادارية البطيئة”.

 

 

لم يختلف  الوضع القانوني لنبيل الطرابلسي  وهو أستاذ تعليم ثانوي  عن عم بشير لكنه قام بتغيير هيكل منزله تماما عما كان عليه في السابق وقسم قطعة الأرض بينه وبين شقيقه : ” من حسن حضنا أننا لم نجد صعوبة في تقسيم ممتلكات والدنا او لكانت المحاكم مألنا و ستقطع صلة الرحم بيننا مثلما حدث مع العديد من الجيران  والدولة تتحمل المسؤولية في ذلك.””ذهبت الى الشؤون العقارية لتسجيل ممتلكات العائلة إلا أنهم أعلموني أن الأمر غير  ممكن ويجب أن أستفسر الأمر من والي الجهة حتى يسوي لنا وضعيتنا في الوقت الذي يعتبر فيه هذا الأخير أن القطعة عدد   848 ليست تحت تصرف الولاية بل  راجعة بالنظر لوزارة أملاك الدولة و بقي المشكل على حاله يحث أننا اليوم لا يمكن أن نتصرف في ممتلكاتنا سواء من حيث البيع أو تقسيم الممتلكات بين الورثاء.”

 

 

 

تقسيم غير قانوني …والضحية المواطن

سنة 1961 قسم الوالي الرسم العقاري رقم 132841 الى أربعة أجزاء ، جزء تابع لمجلس الولاية و هو الجزء الذي تمكن اصحابه من الحصول على شهائد ملكية في حين لم تحل مشاكل كل من الاجزاء التابعة لوزارة أملاك الدولة    والسنيت.” وبذلك لم يتحصل أهالي الحي  على وثائق الملكية الى حد الآن وبهذا التقسيم هناك منازل قسمت بين مجلس الولاية و وزارة أملاك الدولة في نفس الوقت وهو ما عقد.

كما قام مجلس الولاية ببيع العقارات  مسحت 580 متر مربع  بمبالغ مالية متفاوتة قدرت أغلبها ب  614850 و قد تم تقسيط التكلفة ودفعها عبر مراحل ليتسلم المشتري وثيقة رفع يد في مرحلة أولى ثم شهادة ملكية في مرحلة ثانية إلا أنه   وبعد تغيير عدد العقار الى عدد 848 و تقسيمه الى أربعة قطع ضاعت حقوق السكان.

 

حلول مرتقبة … و أمال محطمة  

تمنيات كبيرة لمسناها في أهالي حي العمال اثر حديثنا معهم لكنها أمال مغموسة بطعم الإحباط و كثرة الوعود التي كانوا يتلقونها منذ سنة 1995  منذ انطلاقهم فعليا في  تتبع حقوقهم لكن دون جدوى تذكر وهو ما دفع المتساكنين الى التفكير في تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر ولاية بنزرت، للمطالبة بتمكينهم من حقهم في ملكية عقاراتهم بصفة قانونية تمكنهم من التصرف في عقاراتهم ،خاصة أنه توجد العديد من المشاكل التي وترت العلاقات بين الورثاء في العائلات القاطنة في عقارهم.

وإبان هذا الغليان الصامت الذي لمسناه في سكان حي العمال وغير بعيد عن منزل نبيل لفت انتباهنا إمرأة مسنة تحمل في يدها كيسا صغير و تستند الى “عكاس”ربما كان ونيسها في الشدائد و في ما تركه الزمن من صعوبة في المشي بحكم تقدمها في السن هي الخالة دغبوجة القاسمي ذات 90 سنة وهي تخطو ببطئ ” أنا أقطن في هذا الحي منذ سنة 1945 ومنزلي على ملك زوجي المتوفى منذ ذلك الزمن ولا أعلم عما تتحدثون فقط اود أن يساعدني المسؤولون على  اصلاح منزلي.”

 

“حللنا المشكل … واسترجعنا حي العمال”

ومع كثرة التشكيات وتوجيه  التهم الى مجلس الولاية اتجهنا الى هناك حيث التقينا نهلة مومن المكلفة بالشؤون العقارية و القانونية و النزاعات “قمنا بشراء الاراضي و الممتلكات في حي العمال من وزارة أملاك الدولة بعد سنوات من المحاولات و التشكيات من قبل المواطنين وجدنا ان هذا هو الحل الوحيد لهذه المشكلة العويصة ثم بقي الأمر رهين تسليم وزارة أملاك الدولة و الشؤون العقارية وهي مسألة وقت فقط لتحضير وثائق الملكية وإعطائها لأصحابها.”

“هي فقط مسألة وقت وسيحل المشكل وتمنح شهائد الملكية لأهالي حي العمال” هذا ما افادتنا به منية القاسمي مهندسة بالإدارة الجهوية لوزارة املاك الدولة ببنزرت.

 

 

“لن أفرط في حقي كلفني ذلك ما كلفني… رغم المماطلة و التسويف سأواصل المطالبة و البحث حتى أنال مطلبي” ينهي عم بشير كلامه بتحدي واضح و اصرار على حصوله على مراده.اصرار يجب ان يمتزج بالصبر خاصة أمام الوقت الطويل الذي ستتخذه وزارة أملاك الدولة في تحضير الوثائق و شهائد الملكية لأصحابها و أمام الخمول الاداري الذي شهدته الادارات التونسية بعد الثورة وهو ما يمكن أن يهدد مصالح متساكني حي العمال .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*